دمار أورشليم سنة 607 أم 587؟  (الجزء الأول)

إن جمعية برج المراقبة زوّدت ما يمكن تسميته بإطار لاهوتي لشهود يهوه. كما نحن سنرى، هذا الإطار يرتكز كليّا على التاريخ 1914. حاليا،  يعتقد شهود يهوه ان في السنة 1914، استلم المسيح ملكه في السماء، وبدأ يحكم في وسط اعدائه' (مزمور 110:2).  و ان نهاية العالم بدأت تلك السنة. 

إن عدد كبير نسبيا من المعتقدات الرئيسية مبنية على تاريخ 1914:

تدعي الجمعية بأنّ الهيئة الحاكمة، أو ما يسمى ب" الممسوحين," إختيروا من قبل المسيح لكي يكونوا قنات إتصاله الوحيدة إلى البشر، وبأن هذا قد حدث في سنة 1919. هذا مستندا على الفرضية بأنّ المسيح عاد بشكل غير منظور في 1914،  حيث قام بفحص كافة الهيئات الدينية المسيحية, ثم بعد مرور ثلاثة ونصف سنوات، أرسل يسوع الهيئة إلى " الأسر البابلي " (في الحقيقة، سجن) ثمّ إختارهم أخيرا في 1919. بدون 1914، لا تملك الجمعية أية موقع معيّن نسبة إلى المسيح

تدعي الجمعية بإنّهم وحدهم ينجزون متى 24:14 بإعلان ' الأخبار الجيدة في جميع أنحاء العالم في وقتنا. هذه " الأخبار الجيدة " هي ان المسيح بدأ الحكم في 1914، والنهاية ستأتي " قريبا". إذا كان هذا  الإفتراض خاطئ، فإن الجمعية تقوم بإعلان إنجيل خاطئ (غلاطية 1:6,7,8,9)

إنّ تفسير الجمعية لأجزاء كبيرة من الكتاب المقدس يستند على فكرة حضور المسيح بشكل غير منظور منذ 1914. إذا كان هذا التفسير خاطئ، فإن أية إدّعاء بتوجيه إلاهي سيثبت خاطئ أيضا

حتى المعتقد بوجود صفيّن من المسيحيين، و هذا تفسير فريد من قبل شهود يهوه، هو في الحقيقة معتمد على تاريخ 1914. تدّعي الجمعية بأن الصف ذات الرجاء السماوي و الذي حددت عدده ب 144,000 قد تم إختيار آخر عددهم سنة 1935 و أن إبتدا تجميع " الجمع الكثير " الذين سيعبرون أحياء الضيقة العظيمة التي ستأتي في نهاية العالم التي ابتدأت سنة 1914. لذا بدون هذا التاريخ، يسقط هذا المعتقد الغريب أيضا

تدّعي الجمعية أن تشارلز تاز رصل، مؤسس الجمعية، تنباء عن السنة 1914 منذ سنة 1870، و تستعمل هذا كدليل رئيسي بأن رصل كان موجه من اللّه.

' أزمنة الأمم ' - تاريخ المعتقد

هو صحيح ان سنة 1914  لعبت دور مهم في تركيب التأريخ الذي وضعه رصل. لكن توقّع رصل نهاية العالم وتأسيس مملكة الله على الأرض لهذا التأريخ.  لكن لم يحدث أي شيء من هذا القبيل، لكن رغم ذلك, تحاجج الجمعية بأن شيء مهم حدث عندما بدأت الحرب العالمية الأولى.

ما هو الدليل الزمني الذي إستعمله تشارلز تاز رصل؟  لقد إستعار حجّته الزمنية بالكامل من نيلسون باربور و هو عضو في كنيسة المجيء الثاني. كان عندهم قائمة طويلة من التواريخ، 1914 كان واحد منها.

بنى نيلسون باربور كلّ حججه على تأريخ أحداث الكتاب المقدس الكامل، الذي وضع خلق آدم في 4127 قبل الميلاد. إعتقد باربور (ورصل) بأن الآيات المختلفة التي تحتوي على أرقام إنما كانت رسائل مخفية من الله حول تواريخ الأحداث المختلفة.

إحدى هذه النصوص كانت فصل دانيال 4. يقول النبي دانيال هنا إلى الملك نبوخذنصر:

دان 4:24,25 "يطردونك من بين الناس و تكون سكناك مع حيوان البر ويطعمونك العشب كالثيران ويبلونك بندى السماء فتمضي عليك سبعة أزمنة حتى تعلم أن العلي متسلط في مملكة الناس ويعطيها من يشاء"

بطريقة ما، باربور (وشهود يهوه اليوم) يفسروا هذه النبوة لتعني أكثر من سنوات (أو 'فصول' ) من الجنون لنبوخذناصر. التعبير " أوقات أو أزمنة " يستعمل أيضا في ترجمة رؤيا 12:6,14. هنا يمكن أن يترجم كما لو أنّ ثلاثة ونصف " زمن " يساوي، 1260 يوم.  أن زمن واحد يعرف ب360 يوم، وسبع مرات سيكون 2520 يوم. من ثم تستخدم الجمعية عدد 14:34؛ كقاعدة لربط يوم بسنة لتصبح السبع أزمنة تساوي 2520 سنة.

أذا تعتقد الجمعية بأن الهدف الرئيسي لفترة السبع أزمنة التي ذكرها النبي دانيال لنبوخذناصر هو تحديد الفترة الزمنية التي أعطاها الله للأمم من 607 قبل الميلاد حتى 1914.  لكن تنشأ بعض الأسئلة حول هذا التفسير.  أولا, إن الحلم الذي رآه نبوخذناصر حصل بعد عدة سنوات من تدميره لأورشليم (حسب تأريخ الجمعية), مما يعني أن يهوه الله أعطا نبوة تحدد فترة زمنية لكن بعد أن أبتدأت هذه الفترة بعدة سنوات. هذا يناقض كافة النبوات الزمنية الأخرى التي أعطاها الله بحيث أنه أخبر بها قبل أن تبدأ الفترة.  حتى هذه النبوة بالذات عن فترة جنون نبوخذناصر, أبتدأت هذه الفترة بعد مرور سنة من النبوة.  السؤال الثاني يتعلق بتفسير الجمعية بأن لهذه النبوة هنالك إتمامان إثنان.  الأول يتعلق بفترة جنون نبوخذناصر والإتمام الثاني بأزمنة الأمم.  السؤال هو كيف يمكن أن نفسر أن الإتمام الثاني إبتداء قبل الإتمام الأول بعدة سنوات؟

تحدد الجمعية فترة أزمنة الأمم ب 2520 سنة كما ذكرنا سابقا, لكن ما الذي دام 2520 سنة؟ باربور، بدون أيّ دليل آخر، طبّق هذه الفترة إلى كلمات المسيح حول دمار اورشليم الذي تم في سنة 70:

لوقا 21:24 " ويقعون بفم السيف ويسبون الى جميع الأمم. وتكوم أورشليم مدوسة من الأمم حتى تكمل أزمنة الأمم

بالرغم من أن كلمات المسيح " ستكون " تعلمنا أن بداية " أوقات الأمم " أو " أزمنة " ستكون عندما تدمر أورشليم في المستقبل، حاجج باربور بأنّ " أزمنة الأمم " هذه بدأت عندما سقطت أورشليم منذ عدة قرون للبابليين، في السنة التاسعة العشرة من الملك نبوخذناصر. (أرميا 52:12) متى  حدث هذا؟

قال باربور أن أورشليم دمرت في سنة 606 قبل الميلاد.

إذا حسبنا 2520 سنة من 606 قبل الميلاد تعطينا 1914، صح؟

خطاء.

كان باربور مثل رصل، يجهل أمور تأريخ الأحداث والتواريخ. عندما أسس التقويم (جوليان، الذي تم استحداثه لاحقا إلى الغريغوريان)، لم يكن هناك سنة صفر، لذا تلا سنة 1 قبل الميلاد بسنة 1 بعد الميلاد. إن 2520 سنة من 606 قبل الميلاد تعطينا سنة 1915،  وهذا ما استعمله رصل  في الحقيقة بدلا من 1914 لمدّة بضع سنوات. لكن الحرب العالمية الأولى بدأت في 1914. رصل توقّع أن يحصل شيء ما سنة 1914. وأن  شيء ما حصل في الحقيقة، لذا إعتقد رصل بأنّه كان محقّ. ثمّ "نسى" رصل سنة الصفر، وغيّر تأريخ الأحداث إلى 1914 ثانية.

لكن عاجلا أم آجلا هذا لزم أن يصحّح. كيف؟ بإنتقال دمار أورشليم سنة واحدة، من 606 إلى 607 قبل الميلاد. كان هذا سهل عمله على الورق.

كتاب الجمعية "الرؤيا - ذروتها العظيمة قريبة! (1988) يقتبس كتيب باربور القديم على صفحة 105:

"لقد كان في السنة 606 ق م ان ملكوت الله انتهى, التاج نزع, وكل الأرض سلمت للأمم. و ال2520 سنة من 606 ق م ستنتهي في 1914 ب م " (العوالم الثلاثة, الصادر في 1877 الصفحة 83)

في الهامش:" بفضل العناية الالهية, لم يدرك تلاميذ الكتاب المقدس هؤلاء انه ليست هنالك سنة صفر بين (ق م) و (ب م) و لاحقا, عندما جعل البحث ضروريا تعديل 606 ق م الى 607 ق م , ازيلت السنة صفر أيضا. ولذلك بقي جيدا الإنباء بالسنة 1914 ب م – أنظروا "الحق يحرركم" الذي أصدرته جمعية برج المراقبة في 1943 الصفحة 243.

أليس هذا رائع جدا؟  بفضل العناية الالهية - إرتكبوا خطأين  مما الغيان بعضهم البعض!

لكن ما هو هذا البحث الذي غيّر هذا التأريخ؟ لا شيئ، بالطبع. إذا تفحصت كتب الجمعية، فلن تجد أي دليل مطلق لهذا التأريخ الجديد.

هذا التغيير كان ضروري لإبقاء تأريخ 1914، الذي عليه ترتكز كافة معتقدات جمعية برج المراقبة.

في الحقيقة، سقطت أورشليم إلى البابليين في سنة 587 قبل الميلاد، ليس 607. إن جهل باربور و رصل في تأريخ الأحداث والتأريخ أعطيا الجمعية مشكلة كبيرة. الموسوعة بريتانيكا (نسخة على الإنترنت)، مصدر تستعمله الجمعية في أغلب الأحيان، يقول:

"دمرت المدينة والمعبد بالكامل من قبل نبوخذناصر في 587/586. و أبتداء ألأسر البابلي. انتهى في 538 قبل الميلاد عندما تغلب كورش الثّاني العظيم من بلاد فارس، على بابل، وسمح لليهود، بقيادة زروبابل، من بيت داود، للعودة إلى أورشليم"

بالطبع، تعترف الجمعية انها وحدها في العالم التي تدّعي بأنّ أورشليم سقطت في 607. يحاججون بأنهم وحدهم الذين يضعون مصداقية الكتاب المقدس  فوق المصادر " العلمانية ".

كتاب الجمعية "ليأتي ملكوتك (1981) صفحة 187، يقول:

" المسيحيون الذين يؤمنون بالكتاب المقدس مرارا وتكرارا وجدوا بأنّ كلماته تصمد في إختبار النقد الكثير وأثبتوا أنه دقيق وموثوق به. هم يعترفون بأنه ككلمة الله الملهمة يمكن أن يستعمل كقضيب قياس في تقييم التأريخ العلماني ووجهات النظر. "

أن النظرة هذه تبدو جيدة إلى المسيحيين، لكن هل هي صحيحة؟ هل تضع جمعية برج المراقبة الكتاب المقدس حقا بأنه دقيق وموثوق به ؟ هل يستعملون الكتاب المقدس كقضيب قياس؟

تابع الجزء الثاني

عودة الى الصفحة الرئيسية